بسم الله الرحمان الرحيم
التواضع طبع حميد يدل على رجاحة العقل والنضج وحسن الخلق وهو فضيلة تنتمي إلى مكارم الأخلاق ترفع قدر صاحبها عند الله وبين الناس وقد قيل "التواضع سلم الشرف" وقد ورد في الحديث الشريف "التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة"
والمتواضع يحبه الله ويحبه الناس فهو يألف ويأتلف أما نزعة التكبر فهي خلق ذميم يدل على الحماقة والإعجاب بالنفس والأنانية فالمستكبر يضع نفسه فوق الناس أو يرى الناس دونه وينظر إلى غيره من علِ كما صور أحد الشعراء بخياله صورة فنية للمتكبر فهو على رأس جبل يرى الناس صغاراً والناس دونه في السهل ومن البعد يرونه صغيراً بل يرونه من الصغار صغيراً:
مثل الجاهل في إعجابه مثل الواقف في رأس جبل
يبصر الناس صغاراً وهو في أعين الناس صغيراً لم يزل
مثل المتواضع كالسنبلة الممتلئة حباً وهي تحني رأسها المثقل أما السنبلة التي لا حب فيها فإنها ترفع رأسها حتى إذا هبت ريح عاتية ألوت عنقها والغصن المثقل بالحمل تراه منحنياً داني القطوف وقيل "لا يتكبر إلا كل وضيع ولا يتواضع إلا كل رفيع" .
وقال الأحنف بن قيس يعلل سبب التكبر "ما تكبر أحد إلا من علة يجدها في نفسه" ونزعة التكبر قد تنشأ من غنى بعد فقر ومن قوة بعد ضعف وقد تكون موروثة ".
وقال أبو مسلم صاحب الذخيرة "ما تاه إلا وضيع وكل من تواضع لله رفعه الله" وإن المتكبر يسقط من أعين الناس وينظر إليه بعين الازدراء ولاسيما إن كان ذا صلف وسطوة لله در الشاعر الذي قال فأجاد وأبدع :
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيع
ومن دواعي التكبر إعجاب المرء بنفسه فهو يرفع رأسه فوق الرؤوس وينكر على غيره ما خصهم الله عز وجل من فضل وموهبة وعلم ونظر، وآفة التكبر التعصب بالرأي وفرضه على الآخرين وقد قيل في هذا المنحى "إن التكبر وإعجاب المرء بنفسه يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل وحسبك من رذيلة تمنع من سماع النصح وقبول التأديب والكبر يكسب المقت ويمنع التألف "ويروى أن مسرور بن هند كانت عنده نزعة تكبر وصلف أنه التقى برجل وقال له: أتعرفني ؟ قال لا فاستنكر عليه أن يتجاهله بين الناس فقال تعساً ونكساً لمن لم يعرف القمر فانصرف عنه ذلك الرجل وهو يقول :
قولا لأحمق يلوي التيه أخدعه لو كنت تعلم ما في التيه لم تته
التيه مفسدة للدين منقصة للعقل مهلكة للعرض فانتبه
نظر أفلاطون إلى رجل جاهل معجب بنفسه فقال "وددت أني مثلك في ظنك وأن أعدائي مثلك في نفسي" وهذا الموقف ينطبق على المثل الشعبي القائل "التكبر على المتكبر تواضع" ولست أدري إذا كان هذا القول صحيحاً وقد يداوى الداء بالداء .
الإمام الشافعي على سعة علمه وعلو قدره ضرب مثلاً أعلى في التواضع ولم يجعله ما وهبه الله من علم ودراية وتبصر أن يخامره ذرة من كبر بل ازداد علماً وتقى فقال:
كلما أدبني الدهـ ـرُ أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي
وهذا تعليل لما قال الله عز وجل "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" فالعالم المتبصر كلما اكتشف بعداً من أبعاد المعرفة ظهرت أمامه أبعاد من خلفها أبعاد لا يعرف مداها إلا الله وكان بينه وبين تلميذه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما زيارات متبادلة تحدث بعض الناس عنها وقال :
قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تفارق منزله
لو زارني فبفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له
ومن تواضعه نسب الفضل له ولم ينسبه لنفسه فهذا من قبيل التواضع والإقرار بفضل الإمام بن حنبل ومكانته وإكباره له . تقبلوا تحياتي