تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة، داخلية وخارجية.
ولما كانت المراهقة هكذا فإن للوسط الاجتماعي دور كبير في بناء شخصية المراهق على المستوى النفسي والسلوكي ،
وعليه فإن إن التحولات التي عرفتها المناطق الحضرية و القروية بالمغرب بشكل عام ، والقريبة من المجالات الحضرية على وجه الخصوص ، أدت إلى الانفتاح النسبي لهذه الأوساط على ما يعرف حاليا ( بثقافة المراهقة ) الشيء الذي أدى إلى خلق نوع من الوعي أو الاعتراف النسبي لفترة المراهقة كمرحلة ذات خصوصيات تتطلب نوعا من إعادة النظر في اساليب التنشئة الاجتماعية وأنماط التفاعل .مما يدفعنا في هذا المجال إلى طرح بعض التساؤلات بغرض
الوقوف على هذه التحولات وانعكاساتها على مختلف أنماط التفاعل ، وذلك في مقابل ما يتطلبه هذا الانفتاح على " ثقافة المراهقة " بما تحمله من مشاكل وأزمات والمستلزمات المادية والمعرفية والمعنوية الكفيلة بتجاوز هذه الأزمة فأين يتجلى هذا الوعي النسبي للأوساط الحضرية والقروية والمراهقة كمرحلة عمرية لها أزماتها .
وما هي التحولات الطارئة على أساليب التنشئة وأنماط التفاعل تجاه فترة المراهقة ؟ وما انعكاسات ذلك على العلاقة بين الأسرة والمراهق وما دور المدرسة في خلخلة التصورات والمواقف تجاه المراهق والمراهقة بالوسطين القروي .
هذا ما سنحاول تجليته بحول الله في هذا البحث بنوع من الاختصار
المبحث الأول: في تعريف المراهقة وأهم اتجاهات دراستها
1- مفهوم المراهقة:
ويفيد المعنى اللغوي للمراهقة الاقتراب أو الدنو، يقال: راهق الغلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام، أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب.[1] وفي ذلك المعنى يقول الزمخشري: "رهقت الصلاة رهوقا، أي دخل وقتها، وراهق فلان الشيء، إذا قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ".[2]
ليس من السهل أن نحدد مفهوم المراهقة تحديدا دقيقا فهي سيرورة "Processus" نمو ونضج أكثر منها مرحلة "Stade" محددة وثابتة، وهذا النضج والنمو يشمل جميع جوانب شخصية المراهق الجسمية والعقلية والوجدانية والاجتماعية، والتأثير المتبادل بين هذه الجوانب.[3]
في الواقع كلمة "مراهقة" مشتقة من المراهق وهو اسم فاعل، ويقصد بها النمو من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج.[4]
"والمراهقة سن مغلقة، تتسم بالسرية والتهرب من السؤال، وتقديم الإجابات، كما أنها سن متقلبة. إنها مرحلة تسيء فهم نفسها عن غير قصد، مما ينتج عنه سوء فهم المحيط لها على أن ما يزيد الأمر صعوبة أن المراهقة بالرغم من تعتبر فترة من الحياة لها وحدتها وقوانينها ومشكلاتها ودورها، ففي الوقت ذاته تعتبر إحدى الحلقات في دورة النمو النفسي والجسمي والعقلي التي يجتازها الفرد الإنساني، كما أنها تخضع في جانب كبير إلى حلقات النمو السابقة. فهي بدورها مرحلة تؤثر في المراحل اللاحقة، والطفولة تؤثر في المراهقة، والمراهقة تؤثر بدورها في الرشد، وليست أعمالنا ومشاغلنا في سن الرشد سوى تطبيقا لمخططات المراهقة في كثير من الأحيان، وهكذا فالمراهقة لا تفقد روابطها بالمراحل السابقة أو اللاحقة عليها، كما كان يعتقد علم النفس التقليدي.
ويمكن تبعا لذلك تحديد المعنى السيكولوجي للمراهقة كما حدده كل من "كودناف" و"ليتري" و"جيرزلد" بأنها مرحلة نمو معينة تقع بين سن الطفولة وسن الرشد، فهي طور نمائي ينتقل فيه الناشئ وهو طفل غير مكتمل جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا، أي عن طور أوضح سماته الاعتماد والاتكالية، إلى فرد إنساني متدرج نحو بداية النضج ومحاولة الاستقلال والاكتفاء بالذات.[5]
وفي قاموس المصطلحات النفسية والتحليلية نجد أن "English" يعطي الاعتبار للنمو الجسماني في تعريفه للمراهقة، إذ يعرفها بأنها المرحلة التي تبدأ من البلوغ الجنسي حتى النضج. ويقول "روجرز": إن المراهقة من الناحية البيولوجية تؤرخ من بداية قفزة نمو سابقة للنضج الجنسي حتى النضج، وتستمر حتى يكتمل النمو نسبيا خلال أواخر العشرينات من العمر.
ونجد أن التعريف الذي تقدمه "هيرلوك" في كتاب "كارمايل" تعريف فسيولوجي نفسي، إذ تقول إن بداية الفتوة تحدد من الناحية الفسيولوجية، بينما يتحدد استمرارها وتوقفها من الناحية النفسية، إذ يصبح الفرد مراهقا بمجرد النضج الجنسي والقدرة على إنتاج النوع، وتنتهي المراهقة سيكولوجيا وزمنيا ببلوغ مستوى من النضج المطرد والمنتشر.[6]
يمكننا القول إن المراهقة مرحلة طبيعية من مراحل عمر الإنسان، وهذه المراحل هي الطفولة، المراهقة، الشباب، الكهولة والشيخوخة، وهي مراحل زمنية في عمر كل منا لابد أن نمر منها، والمراهقة هي مرحلة وسطى بين الطفولة وعهد الصبا. بهذا المعنى نفهم أن المراهق تخطى مرحلة الطفولة، ولكنه لم يصل إلى مرحلة النضج الكامل. ومن هنا تبرز متاعب هذه المرحلة وخطورتها أيضا، فهي مرحلة انتقالية من حال إلى حال، تصاحبها تغيرات فسيولوجية ونفسية، علما أن هذه التغيرات تكون سريعة، متلاحقة تفاجئ المراهق كما تفاجئ من حوله.[7]
* الاتجاهات الأساسية في دراسة المراهقة.
اهتمت عدة اتجاهات بدراسة المراهقة ومن بينها:
أ- الاتجاهات البيولوجية:
يرجع أصحاب هذا الاتجاه المراهقة إلى تغيرات الفزيولوجية ويعتبر عالم النفس الأمريكي "ستالي مول من أصحاب هذا الاتجاه حيث يرى أن المراهقة مرحلة من مراحل النمو عند الكائن وتتميز بعدة خصائص من بينها: الثورة على التقاليد الإفراط في المثالية، الانفعالات الحادة، ثم الميل إلى الجنس الآخر.[8]
ب- الاتجاهات النفسية:
حاولت نظريات التحليل النفسي البحث عن الأسباب العميقة للتغيرات النبوية التي تحدث في شخصية وسلوك المراهق الذي يتصف بمواقفه المتناقضة ومشاعره التي تتسم بالتنائية.[9]
إن تطور الفرد يتم عبر سيرورة عضوية مترابطة الحلقات، ولا يمكن الحديث عن المراهق دون الرجوع إلى الطفل.
ويعتبر فرويد مؤسس التحليل النفسي، والذي رسم تصورا ثلاثي الأبعاد لشخصية الإنسان: الهو- الأنا- الأنا الأعلى. وفي المراهقة تطرأ تغيرات على الهو حيث تنضاف إليه دوافع ورغبات التناسل والتكاثر.
كما تهتز أسس الأنا الأعلى نتيجة التغيرات التي تحدث في علاقة المراهق بوالديه، حيث يرى العالم الايطالي بوفي bovet أن المراهقة تشكل مرحلة أزمة البر بالوالدين.[10]
ج- الاتجاهات الاجتماعية والثقافية:
يربط أصحاب هذا الاتجاه أزمة المراهقة بالبيئة الاجتماعية ونمط ثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية، وذلك من خلال الدراسة التي قامت بها الباحثة الأمريكية ميرغريت ميد على مجتمع سواموا الذي يختلف عن المجتمع الأمريكي، حيث توصلت إلى أن المراهق في تلك الثقافات يعيش مرحلة لا يعرف خلالها أية أزمة، ولا تقابل رغباته بأية موانع أو محظورات.[11] مما يجعل ميد تخلص إلى أن فترة المراهقة ترتبط بالمستوى الثقافي الحضاري للمجتمع الذي يعيش فيه المراهق.
المبحث الثاني : خصائص المراهقة:
وسيكون الحديث عن هذه الخصائص من خلال خصائص النمو لدى المراهق وما يرافق هذا النمو من تحولات.
1- النمو الجسدي:
إن أهم ما يميز المراهق، بل ويدل عليها النمو الجسمي السريع والتحولات العضوية التي تنتج عنه. ومعلوم أن هذا النمو وتلك التحولات تجعل من الجسد مركز اهتمام المراهق.
ومما يثير الانتباه رد فعل المراهق إزاء النمو الجسمي، وموقف المتناقض فهو من جهة يكره التحولات التي تطرأ عليه ويخشى عواقبها، لأنها في اعتقاده تخل يتناسق جسده وجماله، فضلا على أنها تسبب للمراهق التملق والخوف مما سيحدث، ومن جهة ثانية يستعجل البلوغ والتحولات المصاحبة له ويراقبها بانتظام، لكن رغم هذا التأرجح، فالغالب على نفسية المراهق هو الخوف والقلق.[12]
كما أن هذه التغيرات الجسمية السريعة تسبب للمراهق الانزعاج، إذا يحسب أنه يدخل عالما جديدا يجهل حدوده، ويضطر إلى التخلي عما يعرفه، والانتقال إلى ما لا يعرف مما يؤدي إلى القلق والخوف والصراع النفسي.[13]
* النمو العقلي:
إن النمو في فترة المراهقة لا يقتصر على التغيرات الجسمية و الفيسيولوجية، وإنما يرافق ذلك أيضا نمو في التفكير وفي القدرات العقلية المرتبطة به، فالمراهقة تتميز بأنها فترة تميز ونضج في مختلف قوى وأساليب السلوك العقلي والإدراكي.[14] فخلال هذه المرحلة تظهر القدرات الخاصة والميول المتعدد لدى الفرد، كالميول إلى الرياضة وتعلم اللغات، ولابتكارات العالمية والفنون، لان المراهق ينتقل من الإدراك الحسي إلى الاعتماد على التعلم التجريدي، يساعده على ذلك عمق نظرته وقدرته على الاستيعاب. لهذه كانت هذه المرحلة من العمر العقلي تقابل مرحلة التعليم الثانوي والجامعي، مما يصادف لدى المراهق قدرة عقلية هامة لفهم واستيعاب موضوعات علمية وفلسفية ذات درجة كبيرة من التجريد كما تقوى لدى المراهق القدرة على التخيل والتذكر.
وأيضا من الظواهر الشائعة لدى المراهقين أحلام اليقظة وتدل أبحاث بعض الباحثين أمثال "بروكس" أن البيئة لها تأثير كبير على المستوى العقلي للفرد، إذ كلما كانت بيئة المراهق مشحونة بالخبرات فإن ذلك يساعد على شحن ذهنه ومساعدته على الرفع من قدرته على حل المشاكل العقلية المعقدة.[15]
ومن بين العلماء الذين اهتموا بالنمو العقلي لدى المراهق نجد جون بياجيه الذي يرى أن المراهق يتمكن من اكتشاف قدرته على المزج بين الأفكار والفرضيات، ويتوصل إلى منطق القضايا التي تسمح بالتفكير الافتراضي والاستدلالي. وينتهي بياجيه إلى اعتبار نشوء التفكير المنطقي لدى المراهق مرهونا بنمو الجهاز العصبي وبتوافر ظروف بيئة ملائمة.[16] ولقد تم التوصل إلى أن نمو الذكاء لا يعرف قفزة سريعة في فترة المراهقة كما هو الحال في النمو الجسماني.[17]
* النمو الانفعالي:
إن الانفعال في علم النفس عبارة عن استجابة شديدة وعامة لموقف غير منتظر مصحوبة بحالة وجدانية سارة أو مؤلمة، لذا يمكن اعتباره فزيولوجية تخرج عن السيطرة والمراقبة للفرد.
ويتعرض بعض المراهقين لحالات من الاكتئاب واليأس والقنوط والانطواء والحزن والآلام النفسية نتيجة لما يعانونه من صراع الدوافع والتقاليد، ويزداد المراهق تمردا على الأسرة والمجتمع.
ومما يزيد في انفعالات المراهق وشدتها أن المراهقة مرحلة الاهتمام والتأمل في الذات التي تؤدي بالمراهق في بعض الأحيان إلى خلق عالم خاص به يحياه وفقا لرغباته الخاصة، وإذا ما تعرضت رغباته للإحباط، فإنه ينشأ لديه الاعتقاد بأن ليس له وأن لا أحد من الناس يهتم به وبرغباته.[18]
فخطورة الصراع الانفعالي الذي يعيشه المراهق تكمن في عدم إيجاد من يتفهمه ويرشده، عن طريق تحليل مختلف المواقف الانفعالية التي يتعرض لها في حياته، وما ينشأ عن ذلك من تكوين اتجاهات سلبية نحو محيطه الاجتماعي تنعكس أثارها على معاملته للغير، ومن هنا تظهر أهمية الإرشاد النفسي والتربوي للمراهقين في المدرسة، من أجل تفهم مشاكلهم وحاجاتهم الأساسية للنمو السليم في هذه المرحلة سعيا وراء إكسابهم اتجاهات إيجابية نحو أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه ويحتكون به.[19]
النمو الاجتماعي:
في فترة المراهقة تخرج العلاقات الاجتماعية للمراهق عن إطار الأسرة إلى ربط علاقات، سواء مع جنسه أو مع الجنس الآخر وذلك من أجل تأكيد حريته الشخصية وإظهار ذاته وتمرده على المعايير التقليدية التي وضعها الراشدون.[20]
وللأصدقاء أهمية كبيرة في حياة المراهق خاصة الذين يلتقون معه في الأفكار والخواطر والشعور، مما يخلق لدى المراهق نوعا من التواصل المبني على الولاء والاحترام لجماعتهم.
إن المراهقة تعتبر فترة تطور ونمو اجتماعي، وتكيف للحياة الاجتماعية بالتدرب على العمل والسلوك الاجتماعي المبني على التفكير المنطقي.
المبحث الثالث :أزمة المراهقة ومشاكلها:
يقول الدكتور عبد الرحمان العيسوي: "إن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى: ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف باختلاف الأنماط التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيرا من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالا تاما، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة"
ولان النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، فقد دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة، فمشاكل المراهقة في المجتمعات الغربية أكثر بكثير من نظيرتها في المجتمعات العربية والإسلامية. وهناك أشكال مختلفة للمراهقة، منها:
1- مراهقة سوية، خالية من المشكلات والصعوبات.
2- مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، لتأمل ذاته ومشكلاته.
3- مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.
والصراع لدى المراهق كما اشرنا في الحديث عن خصائص المراهقة- ينشأ من التغيرات البيولوجية، والجسدية، والنفسية التي تطرأ عليه في هذه المرحلة، فجسديا يشعر بنمو سريع في أعضاء جسمه، قد يسبب له قلقا وإرباكا، وينتج عنه إحساسه بالخمول والكسل والترافي، كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة، وقد يعتر المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سببا، ونفسيا يبدأ بالتحرر من سلطة الوالدين ليشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وبناء المسؤولية الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع الابتعاد عن الوالدين، لأنهم مصدر الأمن والطمأنينة ومنبع الجانب المادي لديه، وهذا التعارض بين الحاجة إلى الاستقلال والتحرر، والحاجة إلى الاعتماد على الوالدين، وعدم فهم الأهل لطبيعى المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق، هذه التغيرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الصغار وإذا تصرف كرجل انتقده الكبار، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق، ويزيد من حدة المرحلة ومشاكلها.
* أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:
1- الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من عدة صراعات داخلية، ومنها صراع الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراعا بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة. وصراع بين طموحات المراهق "الزائدة، وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير، بين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار الجيل السابق.
2- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل، لأنه يعتبر أي وسيلة فوقية أو أي توجيه إنما استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهر بالقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.
3- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.
4- السلوك المزعج: والذي تسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للسلطة العامة، كما انه لا يهتم بمشاعر غيره.
5- العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوترا بشكل يسبب إزعاجا كبيرا للمحيطين به.
1- المراهقة كمعطى ثقافي وكحدث اجتماعي:
إن المراهقة كما هو معلوم، فترة عمرية تقع ما بين الطفولة والرشد، تتميز بسرعة النمو، وبما ينتج عنه من تحولات على مستويات متعددة بيولوجية، عقلية، عاطفية، اجتماعية، ثقافية، إلى درجة لا تترك الوقت الكافي لأصحابها من إعادة التنظيم أو التأقلم مع هذه التحولات. مما يفسر بعض معالم التوتر والحساسية المفرطة لدى اغلب المراهقين، ولعل ذلك ما يجعل من المراهقة مرحلة " دينية" وفترة انتقالية غير قارة ترتبط بما هو بيولوجي وبما هو ثقافي اجتماعي. فإذا كان السيكولوجيون يتحدثون عن بعض الخصائص العمة للمراهقة، فإن ذلك لا ينفي تمييزهم بين معالم البيولوجية والسيكولوجية للمراهقة من جهة، والكيفية التي تعاش بها المراهقة من جهة ثانية. مما يجعل من المراهق في نظرهم "حدثا اجتماعيا" صرفا. على اعتبار أن ما يهيكل ردود فعل المراهق وسلوكاته ليست التغيرات الطارئة على جسده فقط، وغنما الكيفية التي يتمثل بها المجتمع ما هو جسدي، وكيفية تقييمه لما هو جنسي؟
فإذا كانت الطبيعة تقتضي مرور الشخص من مراحل عمرية معينة وفقا لسيرورة بيولوجية موحدة، فإن المجتمع هو الذي يتولى تأطير هذه السيرورة من خلال ما يقابل كل مرحلة من تلك المراحل العمرية أو البيولوجية من ممارسات وسلوكات وفقا لما تسنه القيم والقواعد الاجتماعية المتفق عليها.[21]
كما أن المجتمع هو الذي يتولى بعد ذلك الحكم على الشخص وتقييم شخصيته أو توازنه النفسي والاجتماعي، استنادا إلى درجة تأقلمه مع تلك النماذج الاجتماعية المفروضة.[22]
فالمراهقة هي سيرورة سوسيو – ثقافية، والاتجاه الانتروبولوجي يتجه في دراسته للمراهقة إلى اعتبارها كسلوك جماعي، لاسيما الجوانب الاجتماعية والثقافية التي تحددها- ولقد استعان الكثير من الانتروبولوجيين بمدرسة التحليل النفسي في شرح بعض القضايا المتعلقة بالمراهقة.
فإريكسون ERIKSON، يحدد ثمانية مراحل متميزة للتطور الفردي، ولقد اعتمد في هذا التقسيم على فرويد فيما يخص المراحل الجنسية للطفل، وربطها بالمظاهر الثقافية والاجتماعية للشخصية. واعتبر أن كل مرحلة تشمل مجيء وحل للأزمة.[23]
وهناك دراسات وأبحاث لمرجيت ميد M.Mead أجرتها على بعض المجتمعات البدائية في جزر "ساموا" وغيرها. ولقد بينت هذه الباحثة أن أزمة المراهقة لا يمكن أن ترتبط بالنمو أو البلوغ، وإنما وجود الأزمة أو عدم وجودها شيء يرتبط بالبيئة الاجتماعية وثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية.[24] إن مرجر يدمين تؤكد هنا على الفروق في شخصية المراهق في مختلف الثقافات الاجتماعية المعينة، وبذلك تفتح مجالا جديدا للبحث في فترة المراهقة، وربط هذه الفترة بالمستوى والثقافي في المجتمع الذي ينشأ فيه المراهق، أي أثر البيئة الاجتماعية على النمو والسلوك.
2- علاقة المراهق بالأسرة والمدرسة:
* تأثير الأسرة على أزمة المراهق:
تعتبر الأسرة والمدرسة كمؤسستين تربويتين في توجيه سلوك المراهق واتجاهاته واهتماماته، والانتقال بفكره من طبيعته الأولوية السياقية إلى طبيعته القابلة للتجريد والتعميم. كما تسعى المؤسستان إلى محاولة لاحتواء سلوكات المراهق وتصحيحها من خلال تصحيح تمثلاته وتصوراته على نفسه وعلى المجتمع.
1- الأسرة:
الحاجة إلى تعريف موجز علمي دقيق للأسرة.
يمكن تعريف الأسرة بأنها جماعة اجتماعية بيولوجية تتكون من رجل وامرأة وأبنائهما، ومن بين أهم وظائفها إشباع الحاجات العاطفية، وتهيء المناخ الاجتماعي والثقافي الملائم لرعاية وتنشئة وتوجيه الأبناء، في حدود أدوار الزوج والزوجة، يتم التفاعل مع كل مكوناتها في اتجاه تشكيل ثقافة مشتركة، وهي كذلك شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي يتميز بسيادة القيم التي تؤكد تبعية المصالح الفردية لمصالح ورفاهية ككل. ويتميز هذا التنظيم بإحساس أعضائه القوي بالتوحيد والعون المتبادل.
" فالمجتمع المزدهر هو الذي ينمو فيه الفرد في الأسر نموا طبيعيا، وتزدهر فيه الأسرة، ويستقر الفرد في الأسرة البشرية مثل الورقة في الغصن أو مثل الغصن في الشجرة لا معنى له ولا حياة إذا انفصل عنها، وكذلك الفرد بلا أسرة لا معنى له…"[25]
إن الأسرة كنواة أولوية تشكل الجو النفسي والاجتماعي للمراهق، مما يكون له تأثير على اتجاهات المراهق المستقبلية في مستواها الإيجابي، كحسن التفهم، والود، والدفئ العاطفي، الشيء الذي يجعل الطريق أمامه معبدا للاندماج في المجتمع بشكل يسير. أما المستوى السلبي فيتمثل في تقييد حرية الفرد المراهق فضلا على تسلط الأبوين، وكذا الانحلال الأسري، مما ينتج عنه بالضرورة مراهق بشخصية مضطربة.
فالوحدة الأسرية تلعب دورا مهما في نمو الذات والحفاظ على قوتها وانسجامها، ومن ثمة فتحقيق السعادة يمكن في ضرورة محافظة المجتمع على التماسك الاجتماعي للأسرة/ وما يوفره من محبة وألفة وتضامن. حديث عام عن الأسرة ولم يتم تخصيص الأسرة المغربية في الوسطين بالذكر.
2- المدرسة:
ما هي التحولات التي عرفتها الأسرة المغربية في الوسطين تأثير المدرسة واتساع المدرس على وضعية المراهق.
إن المدرسة كمؤسسة اجتماعية تأتي في المرتبة الثانية بعد الأسرة، تقوم بدور فعال في تكوين سلوك المراهق التي عجزت الأسرة عن توفيرها له. فهي التي تقوم بعد الأسرة أو من المفترض أن تقوم بنقل الثقافة، وتوفير الظروف الملائمة للنمو النفسي والاجتماعي والخلقي. ومن الناحية البيداغوجية، فالمؤسسة تنظم المعارف على أسس سيكولوجية تتفق مع مراحل النمو المختلفة، وبذلك توفر بيئة سيكولوجية واجتماعية متزنة ومتكاملة، مما يساعد على تكوين شخصية المراهق تكوينا ينسجم مع مستجدات الواقع الاجتماعي والاقتصادي، حتى يتسنى له التفاعل والتوافق ولعب الأدوار بشكل إيجابي وسليم.
إن الفضاء المدرسي ينبغي أن يكون فضاء تواصل وحوار منتظم ونشيط بين المتعلم والمدرس، هذه العلاقة التي ينبغي أن ترتكز على أساس الحب والود، وتنمية ما يسمى بالذات لدى المراهق عبر التقدير والاحترام والتشجيع، تفاديا لأية اضطرابات نفسية أو سلوكات غير سوية تحول دون تسهيل قنوات التواصل بين المدرس والمتعلم.
فالتربية المدرسية نشاط تربوي عاطفي أولا، يهدف إلى تسهيل عملية النمو الذاتي للشخص، حتى يسهل إدماجه في الحياة، وهي عملية دينامية متكاملة تستهدف بالأساس إمكانات الفرد الوجدانية والأخلاقية والعقلية والروحية."[26]
إلا أن المدرسة في الوقت الراهن لم تعد تقوم بهذا الدور، بل أصبحت بعيدة عن تفهم مشكلات الأفراد، لأنها بعيدة عنهم ولا تتصل بهم عن قرب، الشيء الذي أدى بالأسرة التقليدية إلى تكوين موقف سلبي اتجاهها، حيث أنها لم تعد تهيء الفرد للاندماج في مجتمعه.
ومن هذا المنطلق ينبغي أن يقف المربون تجاه الأفراد موقفا قوامه التفهم والإرشاد والمساعدة على التقوية التدريجية ليسرورتهم الفكرية والعملية وتنشئتهم على الاندماج الاجتماعي واستيعاب القيم الدينية والوطنية والمجتمعية.[27]
3-المراهق والقيم:
يرى عدد كبير من السيكولوجيين المعاصرين أن موضوع القيم ونموها يعتبر من بين أهم الموضوعات في المجال النفسي للمراهقين، لهذا فإن القيم التي يتبناها المراهق تفسر العديد من مظاهر سلوكه في هذه المرحلة.
ويؤكد عدد من الباحثين من أمثال "برجي" Breger (1962) و"كوناب" Konokap (1973) و"شووب" Schoeppe (1974) وغيرهم أن نسق القيم أو نظامه يتشكل في هذه المرحلة ويبدأ هذا النظام القيمي الكشف عن نفسه خلال مرحلة الدراسة الثانوية، كما لاحظ ** أن القيم تتطور خلال فترة المراهقة، وأن الأحكام الأخلاقية تعرف تغيرات هامة في هذه المرحلة بسبب التغيرات التي يعرفها الجهاز المعرفي لديه Système congnitif.
كما يرى "سينجر" Singer (1954) و"ستيفلر" Stefeler (1954) و"بيرون" Peron (1973) أن القيم المرتبطة بالشغل واختيار نوعه تخضع بدورها في مرحلة المراهقة للتغيير وذلك لارتباطها بنمو الميل المهني والنضج المتعلق بها.
كما كشفت العديد من الأبحاث أن القيم من اهم الوسائل المميزة، من الوجهة النفسية للإختلافات القائمة احيانا بين جماعات المراهقين، فتجعلهم يقتربون فيما بينهم أو يتباعدون، سواء لدى جماعات الذكور أو الإناث من المراهقين.
وهكذا، فإن نتائج العديد من الدراسات الميدانية اكدت ان مفهوم القيم من المفاهيم الهامة في تحديد المظاهر البنيوية والتكوينية في شخصيات المراهقين، وخاصة منهم المراهقين التلاميذ والطلاب.
إن المكتسبات المعرفية للمراهق المتمدرس تساهم بقسط وافر في إعادة النظر في العديد من الأمور، تلك المتعلقة باتجاهاته وميوله ومعتقداته أو تلك التي ترجع إلى الحياة والظروف التي تسود مجتمعه أو تجري أو تجري فيه، مما يدفعه إلى تكوين صور جديدة قد يتقبلها أو يرفضها.
إن تفاعل المعلومات والخبرات التي يكتسبها المراهق تؤدي إذن رؤية للعالم، مختلفة عن رؤيته له وهو طفل. ففي هذه الفترة يصبح له اتجاه معين نحو الأسرة ونحو الأمور السياسية والدينية، والتشريعية وغير ذلك من القضايا والمسائل التي يتفاعل معها خلال حياته اليومية. وتقوم التي يتبناها بدور توجيه وتحديد اختياراته ومواقفه، في كل المسائل التي تعرض عليه.
ولما كانت المراهقة هكذا فإن للوسط الاجتماعي دور كبير في بناء شخصية المراهق على المستوى النفسي والسلوكي ،
وعليه فإن إن التحولات التي عرفتها المناطق الحضرية و القروية بالمغرب بشكل عام ، والقريبة من المجالات الحضرية على وجه الخصوص ، أدت إلى الانفتاح النسبي لهذه الأوساط على ما يعرف حاليا ( بثقافة المراهقة ) الشيء الذي أدى إلى خلق نوع من الوعي أو الاعتراف النسبي لفترة المراهقة كمرحلة ذات خصوصيات تتطلب نوعا من إعادة النظر في اساليب التنشئة الاجتماعية وأنماط التفاعل .مما يدفعنا في هذا المجال إلى طرح بعض التساؤلات بغرض
الوقوف على هذه التحولات وانعكاساتها على مختلف أنماط التفاعل ، وذلك في مقابل ما يتطلبه هذا الانفتاح على " ثقافة المراهقة " بما تحمله من مشاكل وأزمات والمستلزمات المادية والمعرفية والمعنوية الكفيلة بتجاوز هذه الأزمة فأين يتجلى هذا الوعي النسبي للأوساط الحضرية والقروية والمراهقة كمرحلة عمرية لها أزماتها .
وما هي التحولات الطارئة على أساليب التنشئة وأنماط التفاعل تجاه فترة المراهقة ؟ وما انعكاسات ذلك على العلاقة بين الأسرة والمراهق وما دور المدرسة في خلخلة التصورات والمواقف تجاه المراهق والمراهقة بالوسطين القروي .
هذا ما سنحاول تجليته بحول الله في هذا البحث بنوع من الاختصار
المبحث الأول: في تعريف المراهقة وأهم اتجاهات دراستها
1- مفهوم المراهقة:
ويفيد المعنى اللغوي للمراهقة الاقتراب أو الدنو، يقال: راهق الغلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام، أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب.[1] وفي ذلك المعنى يقول الزمخشري: "رهقت الصلاة رهوقا، أي دخل وقتها، وراهق فلان الشيء، إذا قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ".[2]
ليس من السهل أن نحدد مفهوم المراهقة تحديدا دقيقا فهي سيرورة "Processus" نمو ونضج أكثر منها مرحلة "Stade" محددة وثابتة، وهذا النضج والنمو يشمل جميع جوانب شخصية المراهق الجسمية والعقلية والوجدانية والاجتماعية، والتأثير المتبادل بين هذه الجوانب.[3]
في الواقع كلمة "مراهقة" مشتقة من المراهق وهو اسم فاعل، ويقصد بها النمو من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج.[4]
"والمراهقة سن مغلقة، تتسم بالسرية والتهرب من السؤال، وتقديم الإجابات، كما أنها سن متقلبة. إنها مرحلة تسيء فهم نفسها عن غير قصد، مما ينتج عنه سوء فهم المحيط لها على أن ما يزيد الأمر صعوبة أن المراهقة بالرغم من تعتبر فترة من الحياة لها وحدتها وقوانينها ومشكلاتها ودورها، ففي الوقت ذاته تعتبر إحدى الحلقات في دورة النمو النفسي والجسمي والعقلي التي يجتازها الفرد الإنساني، كما أنها تخضع في جانب كبير إلى حلقات النمو السابقة. فهي بدورها مرحلة تؤثر في المراحل اللاحقة، والطفولة تؤثر في المراهقة، والمراهقة تؤثر بدورها في الرشد، وليست أعمالنا ومشاغلنا في سن الرشد سوى تطبيقا لمخططات المراهقة في كثير من الأحيان، وهكذا فالمراهقة لا تفقد روابطها بالمراحل السابقة أو اللاحقة عليها، كما كان يعتقد علم النفس التقليدي.
ويمكن تبعا لذلك تحديد المعنى السيكولوجي للمراهقة كما حدده كل من "كودناف" و"ليتري" و"جيرزلد" بأنها مرحلة نمو معينة تقع بين سن الطفولة وسن الرشد، فهي طور نمائي ينتقل فيه الناشئ وهو طفل غير مكتمل جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا، أي عن طور أوضح سماته الاعتماد والاتكالية، إلى فرد إنساني متدرج نحو بداية النضج ومحاولة الاستقلال والاكتفاء بالذات.[5]
وفي قاموس المصطلحات النفسية والتحليلية نجد أن "English" يعطي الاعتبار للنمو الجسماني في تعريفه للمراهقة، إذ يعرفها بأنها المرحلة التي تبدأ من البلوغ الجنسي حتى النضج. ويقول "روجرز": إن المراهقة من الناحية البيولوجية تؤرخ من بداية قفزة نمو سابقة للنضج الجنسي حتى النضج، وتستمر حتى يكتمل النمو نسبيا خلال أواخر العشرينات من العمر.
ونجد أن التعريف الذي تقدمه "هيرلوك" في كتاب "كارمايل" تعريف فسيولوجي نفسي، إذ تقول إن بداية الفتوة تحدد من الناحية الفسيولوجية، بينما يتحدد استمرارها وتوقفها من الناحية النفسية، إذ يصبح الفرد مراهقا بمجرد النضج الجنسي والقدرة على إنتاج النوع، وتنتهي المراهقة سيكولوجيا وزمنيا ببلوغ مستوى من النضج المطرد والمنتشر.[6]
يمكننا القول إن المراهقة مرحلة طبيعية من مراحل عمر الإنسان، وهذه المراحل هي الطفولة، المراهقة، الشباب، الكهولة والشيخوخة، وهي مراحل زمنية في عمر كل منا لابد أن نمر منها، والمراهقة هي مرحلة وسطى بين الطفولة وعهد الصبا. بهذا المعنى نفهم أن المراهق تخطى مرحلة الطفولة، ولكنه لم يصل إلى مرحلة النضج الكامل. ومن هنا تبرز متاعب هذه المرحلة وخطورتها أيضا، فهي مرحلة انتقالية من حال إلى حال، تصاحبها تغيرات فسيولوجية ونفسية، علما أن هذه التغيرات تكون سريعة، متلاحقة تفاجئ المراهق كما تفاجئ من حوله.[7]
* الاتجاهات الأساسية في دراسة المراهقة.
اهتمت عدة اتجاهات بدراسة المراهقة ومن بينها:
أ- الاتجاهات البيولوجية:
يرجع أصحاب هذا الاتجاه المراهقة إلى تغيرات الفزيولوجية ويعتبر عالم النفس الأمريكي "ستالي مول من أصحاب هذا الاتجاه حيث يرى أن المراهقة مرحلة من مراحل النمو عند الكائن وتتميز بعدة خصائص من بينها: الثورة على التقاليد الإفراط في المثالية، الانفعالات الحادة، ثم الميل إلى الجنس الآخر.[8]
ب- الاتجاهات النفسية:
حاولت نظريات التحليل النفسي البحث عن الأسباب العميقة للتغيرات النبوية التي تحدث في شخصية وسلوك المراهق الذي يتصف بمواقفه المتناقضة ومشاعره التي تتسم بالتنائية.[9]
إن تطور الفرد يتم عبر سيرورة عضوية مترابطة الحلقات، ولا يمكن الحديث عن المراهق دون الرجوع إلى الطفل.
ويعتبر فرويد مؤسس التحليل النفسي، والذي رسم تصورا ثلاثي الأبعاد لشخصية الإنسان: الهو- الأنا- الأنا الأعلى. وفي المراهقة تطرأ تغيرات على الهو حيث تنضاف إليه دوافع ورغبات التناسل والتكاثر.
كما تهتز أسس الأنا الأعلى نتيجة التغيرات التي تحدث في علاقة المراهق بوالديه، حيث يرى العالم الايطالي بوفي bovet أن المراهقة تشكل مرحلة أزمة البر بالوالدين.[10]
ج- الاتجاهات الاجتماعية والثقافية:
يربط أصحاب هذا الاتجاه أزمة المراهقة بالبيئة الاجتماعية ونمط ثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية، وذلك من خلال الدراسة التي قامت بها الباحثة الأمريكية ميرغريت ميد على مجتمع سواموا الذي يختلف عن المجتمع الأمريكي، حيث توصلت إلى أن المراهق في تلك الثقافات يعيش مرحلة لا يعرف خلالها أية أزمة، ولا تقابل رغباته بأية موانع أو محظورات.[11] مما يجعل ميد تخلص إلى أن فترة المراهقة ترتبط بالمستوى الثقافي الحضاري للمجتمع الذي يعيش فيه المراهق.
المبحث الثاني : خصائص المراهقة:
وسيكون الحديث عن هذه الخصائص من خلال خصائص النمو لدى المراهق وما يرافق هذا النمو من تحولات.
1- النمو الجسدي:
إن أهم ما يميز المراهق، بل ويدل عليها النمو الجسمي السريع والتحولات العضوية التي تنتج عنه. ومعلوم أن هذا النمو وتلك التحولات تجعل من الجسد مركز اهتمام المراهق.
ومما يثير الانتباه رد فعل المراهق إزاء النمو الجسمي، وموقف المتناقض فهو من جهة يكره التحولات التي تطرأ عليه ويخشى عواقبها، لأنها في اعتقاده تخل يتناسق جسده وجماله، فضلا على أنها تسبب للمراهق التملق والخوف مما سيحدث، ومن جهة ثانية يستعجل البلوغ والتحولات المصاحبة له ويراقبها بانتظام، لكن رغم هذا التأرجح، فالغالب على نفسية المراهق هو الخوف والقلق.[12]
كما أن هذه التغيرات الجسمية السريعة تسبب للمراهق الانزعاج، إذا يحسب أنه يدخل عالما جديدا يجهل حدوده، ويضطر إلى التخلي عما يعرفه، والانتقال إلى ما لا يعرف مما يؤدي إلى القلق والخوف والصراع النفسي.[13]
* النمو العقلي:
إن النمو في فترة المراهقة لا يقتصر على التغيرات الجسمية و الفيسيولوجية، وإنما يرافق ذلك أيضا نمو في التفكير وفي القدرات العقلية المرتبطة به، فالمراهقة تتميز بأنها فترة تميز ونضج في مختلف قوى وأساليب السلوك العقلي والإدراكي.[14] فخلال هذه المرحلة تظهر القدرات الخاصة والميول المتعدد لدى الفرد، كالميول إلى الرياضة وتعلم اللغات، ولابتكارات العالمية والفنون، لان المراهق ينتقل من الإدراك الحسي إلى الاعتماد على التعلم التجريدي، يساعده على ذلك عمق نظرته وقدرته على الاستيعاب. لهذه كانت هذه المرحلة من العمر العقلي تقابل مرحلة التعليم الثانوي والجامعي، مما يصادف لدى المراهق قدرة عقلية هامة لفهم واستيعاب موضوعات علمية وفلسفية ذات درجة كبيرة من التجريد كما تقوى لدى المراهق القدرة على التخيل والتذكر.
وأيضا من الظواهر الشائعة لدى المراهقين أحلام اليقظة وتدل أبحاث بعض الباحثين أمثال "بروكس" أن البيئة لها تأثير كبير على المستوى العقلي للفرد، إذ كلما كانت بيئة المراهق مشحونة بالخبرات فإن ذلك يساعد على شحن ذهنه ومساعدته على الرفع من قدرته على حل المشاكل العقلية المعقدة.[15]
ومن بين العلماء الذين اهتموا بالنمو العقلي لدى المراهق نجد جون بياجيه الذي يرى أن المراهق يتمكن من اكتشاف قدرته على المزج بين الأفكار والفرضيات، ويتوصل إلى منطق القضايا التي تسمح بالتفكير الافتراضي والاستدلالي. وينتهي بياجيه إلى اعتبار نشوء التفكير المنطقي لدى المراهق مرهونا بنمو الجهاز العصبي وبتوافر ظروف بيئة ملائمة.[16] ولقد تم التوصل إلى أن نمو الذكاء لا يعرف قفزة سريعة في فترة المراهقة كما هو الحال في النمو الجسماني.[17]
* النمو الانفعالي:
إن الانفعال في علم النفس عبارة عن استجابة شديدة وعامة لموقف غير منتظر مصحوبة بحالة وجدانية سارة أو مؤلمة، لذا يمكن اعتباره فزيولوجية تخرج عن السيطرة والمراقبة للفرد.
ويتعرض بعض المراهقين لحالات من الاكتئاب واليأس والقنوط والانطواء والحزن والآلام النفسية نتيجة لما يعانونه من صراع الدوافع والتقاليد، ويزداد المراهق تمردا على الأسرة والمجتمع.
ومما يزيد في انفعالات المراهق وشدتها أن المراهقة مرحلة الاهتمام والتأمل في الذات التي تؤدي بالمراهق في بعض الأحيان إلى خلق عالم خاص به يحياه وفقا لرغباته الخاصة، وإذا ما تعرضت رغباته للإحباط، فإنه ينشأ لديه الاعتقاد بأن ليس له وأن لا أحد من الناس يهتم به وبرغباته.[18]
فخطورة الصراع الانفعالي الذي يعيشه المراهق تكمن في عدم إيجاد من يتفهمه ويرشده، عن طريق تحليل مختلف المواقف الانفعالية التي يتعرض لها في حياته، وما ينشأ عن ذلك من تكوين اتجاهات سلبية نحو محيطه الاجتماعي تنعكس أثارها على معاملته للغير، ومن هنا تظهر أهمية الإرشاد النفسي والتربوي للمراهقين في المدرسة، من أجل تفهم مشاكلهم وحاجاتهم الأساسية للنمو السليم في هذه المرحلة سعيا وراء إكسابهم اتجاهات إيجابية نحو أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه ويحتكون به.[19]
النمو الاجتماعي:
في فترة المراهقة تخرج العلاقات الاجتماعية للمراهق عن إطار الأسرة إلى ربط علاقات، سواء مع جنسه أو مع الجنس الآخر وذلك من أجل تأكيد حريته الشخصية وإظهار ذاته وتمرده على المعايير التقليدية التي وضعها الراشدون.[20]
وللأصدقاء أهمية كبيرة في حياة المراهق خاصة الذين يلتقون معه في الأفكار والخواطر والشعور، مما يخلق لدى المراهق نوعا من التواصل المبني على الولاء والاحترام لجماعتهم.
إن المراهقة تعتبر فترة تطور ونمو اجتماعي، وتكيف للحياة الاجتماعية بالتدرب على العمل والسلوك الاجتماعي المبني على التفكير المنطقي.
المبحث الثالث :أزمة المراهقة ومشاكلها:
يقول الدكتور عبد الرحمان العيسوي: "إن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى: ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف باختلاف الأنماط التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيرا من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالا تاما، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة"
ولان النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، فقد دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة، فمشاكل المراهقة في المجتمعات الغربية أكثر بكثير من نظيرتها في المجتمعات العربية والإسلامية. وهناك أشكال مختلفة للمراهقة، منها:
1- مراهقة سوية، خالية من المشكلات والصعوبات.
2- مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، لتأمل ذاته ومشكلاته.
3- مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.
والصراع لدى المراهق كما اشرنا في الحديث عن خصائص المراهقة- ينشأ من التغيرات البيولوجية، والجسدية، والنفسية التي تطرأ عليه في هذه المرحلة، فجسديا يشعر بنمو سريع في أعضاء جسمه، قد يسبب له قلقا وإرباكا، وينتج عنه إحساسه بالخمول والكسل والترافي، كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة، وقد يعتر المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سببا، ونفسيا يبدأ بالتحرر من سلطة الوالدين ليشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وبناء المسؤولية الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع الابتعاد عن الوالدين، لأنهم مصدر الأمن والطمأنينة ومنبع الجانب المادي لديه، وهذا التعارض بين الحاجة إلى الاستقلال والتحرر، والحاجة إلى الاعتماد على الوالدين، وعدم فهم الأهل لطبيعى المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق، هذه التغيرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الصغار وإذا تصرف كرجل انتقده الكبار، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق، ويزيد من حدة المرحلة ومشاكلها.
* أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:
1- الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من عدة صراعات داخلية، ومنها صراع الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراعا بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة. وصراع بين طموحات المراهق "الزائدة، وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير، بين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار الجيل السابق.
2- الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل، لأنه يعتبر أي وسيلة فوقية أو أي توجيه إنما استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهر بالقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.
3- الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.
4- السلوك المزعج: والذي تسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للسلطة العامة، كما انه لا يهتم بمشاعر غيره.
5- العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوترا بشكل يسبب إزعاجا كبيرا للمحيطين به.
1- المراهقة كمعطى ثقافي وكحدث اجتماعي:
إن المراهقة كما هو معلوم، فترة عمرية تقع ما بين الطفولة والرشد، تتميز بسرعة النمو، وبما ينتج عنه من تحولات على مستويات متعددة بيولوجية، عقلية، عاطفية، اجتماعية، ثقافية، إلى درجة لا تترك الوقت الكافي لأصحابها من إعادة التنظيم أو التأقلم مع هذه التحولات. مما يفسر بعض معالم التوتر والحساسية المفرطة لدى اغلب المراهقين، ولعل ذلك ما يجعل من المراهقة مرحلة " دينية" وفترة انتقالية غير قارة ترتبط بما هو بيولوجي وبما هو ثقافي اجتماعي. فإذا كان السيكولوجيون يتحدثون عن بعض الخصائص العمة للمراهقة، فإن ذلك لا ينفي تمييزهم بين معالم البيولوجية والسيكولوجية للمراهقة من جهة، والكيفية التي تعاش بها المراهقة من جهة ثانية. مما يجعل من المراهق في نظرهم "حدثا اجتماعيا" صرفا. على اعتبار أن ما يهيكل ردود فعل المراهق وسلوكاته ليست التغيرات الطارئة على جسده فقط، وغنما الكيفية التي يتمثل بها المجتمع ما هو جسدي، وكيفية تقييمه لما هو جنسي؟
فإذا كانت الطبيعة تقتضي مرور الشخص من مراحل عمرية معينة وفقا لسيرورة بيولوجية موحدة، فإن المجتمع هو الذي يتولى تأطير هذه السيرورة من خلال ما يقابل كل مرحلة من تلك المراحل العمرية أو البيولوجية من ممارسات وسلوكات وفقا لما تسنه القيم والقواعد الاجتماعية المتفق عليها.[21]
كما أن المجتمع هو الذي يتولى بعد ذلك الحكم على الشخص وتقييم شخصيته أو توازنه النفسي والاجتماعي، استنادا إلى درجة تأقلمه مع تلك النماذج الاجتماعية المفروضة.[22]
فالمراهقة هي سيرورة سوسيو – ثقافية، والاتجاه الانتروبولوجي يتجه في دراسته للمراهقة إلى اعتبارها كسلوك جماعي، لاسيما الجوانب الاجتماعية والثقافية التي تحددها- ولقد استعان الكثير من الانتروبولوجيين بمدرسة التحليل النفسي في شرح بعض القضايا المتعلقة بالمراهقة.
فإريكسون ERIKSON، يحدد ثمانية مراحل متميزة للتطور الفردي، ولقد اعتمد في هذا التقسيم على فرويد فيما يخص المراحل الجنسية للطفل، وربطها بالمظاهر الثقافية والاجتماعية للشخصية. واعتبر أن كل مرحلة تشمل مجيء وحل للأزمة.[23]
وهناك دراسات وأبحاث لمرجيت ميد M.Mead أجرتها على بعض المجتمعات البدائية في جزر "ساموا" وغيرها. ولقد بينت هذه الباحثة أن أزمة المراهقة لا يمكن أن ترتبط بالنمو أو البلوغ، وإنما وجود الأزمة أو عدم وجودها شيء يرتبط بالبيئة الاجتماعية وثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية.[24] إن مرجر يدمين تؤكد هنا على الفروق في شخصية المراهق في مختلف الثقافات الاجتماعية المعينة، وبذلك تفتح مجالا جديدا للبحث في فترة المراهقة، وربط هذه الفترة بالمستوى والثقافي في المجتمع الذي ينشأ فيه المراهق، أي أثر البيئة الاجتماعية على النمو والسلوك.
2- علاقة المراهق بالأسرة والمدرسة:
* تأثير الأسرة على أزمة المراهق:
تعتبر الأسرة والمدرسة كمؤسستين تربويتين في توجيه سلوك المراهق واتجاهاته واهتماماته، والانتقال بفكره من طبيعته الأولوية السياقية إلى طبيعته القابلة للتجريد والتعميم. كما تسعى المؤسستان إلى محاولة لاحتواء سلوكات المراهق وتصحيحها من خلال تصحيح تمثلاته وتصوراته على نفسه وعلى المجتمع.
1- الأسرة:
الحاجة إلى تعريف موجز علمي دقيق للأسرة.
يمكن تعريف الأسرة بأنها جماعة اجتماعية بيولوجية تتكون من رجل وامرأة وأبنائهما، ومن بين أهم وظائفها إشباع الحاجات العاطفية، وتهيء المناخ الاجتماعي والثقافي الملائم لرعاية وتنشئة وتوجيه الأبناء، في حدود أدوار الزوج والزوجة، يتم التفاعل مع كل مكوناتها في اتجاه تشكيل ثقافة مشتركة، وهي كذلك شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي يتميز بسيادة القيم التي تؤكد تبعية المصالح الفردية لمصالح ورفاهية ككل. ويتميز هذا التنظيم بإحساس أعضائه القوي بالتوحيد والعون المتبادل.
" فالمجتمع المزدهر هو الذي ينمو فيه الفرد في الأسر نموا طبيعيا، وتزدهر فيه الأسرة، ويستقر الفرد في الأسرة البشرية مثل الورقة في الغصن أو مثل الغصن في الشجرة لا معنى له ولا حياة إذا انفصل عنها، وكذلك الفرد بلا أسرة لا معنى له…"[25]
إن الأسرة كنواة أولوية تشكل الجو النفسي والاجتماعي للمراهق، مما يكون له تأثير على اتجاهات المراهق المستقبلية في مستواها الإيجابي، كحسن التفهم، والود، والدفئ العاطفي، الشيء الذي يجعل الطريق أمامه معبدا للاندماج في المجتمع بشكل يسير. أما المستوى السلبي فيتمثل في تقييد حرية الفرد المراهق فضلا على تسلط الأبوين، وكذا الانحلال الأسري، مما ينتج عنه بالضرورة مراهق بشخصية مضطربة.
فالوحدة الأسرية تلعب دورا مهما في نمو الذات والحفاظ على قوتها وانسجامها، ومن ثمة فتحقيق السعادة يمكن في ضرورة محافظة المجتمع على التماسك الاجتماعي للأسرة/ وما يوفره من محبة وألفة وتضامن. حديث عام عن الأسرة ولم يتم تخصيص الأسرة المغربية في الوسطين بالذكر.
2- المدرسة:
ما هي التحولات التي عرفتها الأسرة المغربية في الوسطين تأثير المدرسة واتساع المدرس على وضعية المراهق.
إن المدرسة كمؤسسة اجتماعية تأتي في المرتبة الثانية بعد الأسرة، تقوم بدور فعال في تكوين سلوك المراهق التي عجزت الأسرة عن توفيرها له. فهي التي تقوم بعد الأسرة أو من المفترض أن تقوم بنقل الثقافة، وتوفير الظروف الملائمة للنمو النفسي والاجتماعي والخلقي. ومن الناحية البيداغوجية، فالمؤسسة تنظم المعارف على أسس سيكولوجية تتفق مع مراحل النمو المختلفة، وبذلك توفر بيئة سيكولوجية واجتماعية متزنة ومتكاملة، مما يساعد على تكوين شخصية المراهق تكوينا ينسجم مع مستجدات الواقع الاجتماعي والاقتصادي، حتى يتسنى له التفاعل والتوافق ولعب الأدوار بشكل إيجابي وسليم.
إن الفضاء المدرسي ينبغي أن يكون فضاء تواصل وحوار منتظم ونشيط بين المتعلم والمدرس، هذه العلاقة التي ينبغي أن ترتكز على أساس الحب والود، وتنمية ما يسمى بالذات لدى المراهق عبر التقدير والاحترام والتشجيع، تفاديا لأية اضطرابات نفسية أو سلوكات غير سوية تحول دون تسهيل قنوات التواصل بين المدرس والمتعلم.
فالتربية المدرسية نشاط تربوي عاطفي أولا، يهدف إلى تسهيل عملية النمو الذاتي للشخص، حتى يسهل إدماجه في الحياة، وهي عملية دينامية متكاملة تستهدف بالأساس إمكانات الفرد الوجدانية والأخلاقية والعقلية والروحية."[26]
إلا أن المدرسة في الوقت الراهن لم تعد تقوم بهذا الدور، بل أصبحت بعيدة عن تفهم مشكلات الأفراد، لأنها بعيدة عنهم ولا تتصل بهم عن قرب، الشيء الذي أدى بالأسرة التقليدية إلى تكوين موقف سلبي اتجاهها، حيث أنها لم تعد تهيء الفرد للاندماج في مجتمعه.
ومن هذا المنطلق ينبغي أن يقف المربون تجاه الأفراد موقفا قوامه التفهم والإرشاد والمساعدة على التقوية التدريجية ليسرورتهم الفكرية والعملية وتنشئتهم على الاندماج الاجتماعي واستيعاب القيم الدينية والوطنية والمجتمعية.[27]
3-المراهق والقيم:
يرى عدد كبير من السيكولوجيين المعاصرين أن موضوع القيم ونموها يعتبر من بين أهم الموضوعات في المجال النفسي للمراهقين، لهذا فإن القيم التي يتبناها المراهق تفسر العديد من مظاهر سلوكه في هذه المرحلة.
ويؤكد عدد من الباحثين من أمثال "برجي" Breger (1962) و"كوناب" Konokap (1973) و"شووب" Schoeppe (1974) وغيرهم أن نسق القيم أو نظامه يتشكل في هذه المرحلة ويبدأ هذا النظام القيمي الكشف عن نفسه خلال مرحلة الدراسة الثانوية، كما لاحظ ** أن القيم تتطور خلال فترة المراهقة، وأن الأحكام الأخلاقية تعرف تغيرات هامة في هذه المرحلة بسبب التغيرات التي يعرفها الجهاز المعرفي لديه Système congnitif.
كما يرى "سينجر" Singer (1954) و"ستيفلر" Stefeler (1954) و"بيرون" Peron (1973) أن القيم المرتبطة بالشغل واختيار نوعه تخضع بدورها في مرحلة المراهقة للتغيير وذلك لارتباطها بنمو الميل المهني والنضج المتعلق بها.
كما كشفت العديد من الأبحاث أن القيم من اهم الوسائل المميزة، من الوجهة النفسية للإختلافات القائمة احيانا بين جماعات المراهقين، فتجعلهم يقتربون فيما بينهم أو يتباعدون، سواء لدى جماعات الذكور أو الإناث من المراهقين.
وهكذا، فإن نتائج العديد من الدراسات الميدانية اكدت ان مفهوم القيم من المفاهيم الهامة في تحديد المظاهر البنيوية والتكوينية في شخصيات المراهقين، وخاصة منهم المراهقين التلاميذ والطلاب.
إن المكتسبات المعرفية للمراهق المتمدرس تساهم بقسط وافر في إعادة النظر في العديد من الأمور، تلك المتعلقة باتجاهاته وميوله ومعتقداته أو تلك التي ترجع إلى الحياة والظروف التي تسود مجتمعه أو تجري أو تجري فيه، مما يدفعه إلى تكوين صور جديدة قد يتقبلها أو يرفضها.
إن تفاعل المعلومات والخبرات التي يكتسبها المراهق تؤدي إذن رؤية للعالم، مختلفة عن رؤيته له وهو طفل. ففي هذه الفترة يصبح له اتجاه معين نحو الأسرة ونحو الأمور السياسية والدينية، والتشريعية وغير ذلك من القضايا والمسائل التي يتفاعل معها خلال حياته اليومية. وتقوم التي يتبناها بدور توجيه وتحديد اختياراته ومواقفه، في كل المسائل التي تعرض عليه.